ليلة القدر
ليلة عظيمة؛ أشاد بفضلها القرآن، وأخبر عنها المعصوم، وتواترت في فضلها النصوص، وتسابق إليها الصحابة الكرام، والأئمة الأعلام، فصنفت في فضلها المصنفات، ودونت في شرفها المدونات، وكتبت في أحكامها المجلدات، وما ذاك إلا لعظمها، وعظم قدرها، وعلو منزلتها، ورفعة شأنها، كيف لا وهي خير من ألف شهر، وكيف لا وفيها تتنزل الملائكة والرحمات، وتغفر الذنوب وتمحى السيئات، وترتفع الدرجات، ويجود بالفضل والمغفرة على العباد رب البريات،
ليلة القدر لماذا كانت خير من ألف شهر
لما قصرت أعمار هذه الأمة عن أعمار الأمم السابقة؛ حيث أصبحت أعمارنا تتراوح بين الستين والسبعين، وقليل من يتجاوز ذلك كما أخبر الصادق المصدوق؛ عوضهم ربهم بأمور أخرا كثيرة منها منحهم هذه الليلة، وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، أي أن قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر من غيرها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
عبادا لله : وسميت ليلة القدر بذلك لعدة معان :
1. لشرفها وعظيم قدرها عند الله.
2. وقيل لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة لقوله - تعالى -: {فيها يفرق كل أمر حكيم}.
3. وقيل لأنه ينزل فيها ملائكة ذوو قدر.
4. وقيل لأنها نزل فيها كتاب ذو قدر، بواسطة ملك ذي قدر، على رسول ذي قدر، وأمة ذات قدر.
5. وقيل لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً.
6. وقيل لأن من أقامها وأحياها صار ذا قدر.
والراجح: أنها سميت بذلك لجميع هذه المعاني مجتمعة وغيرها، والله أعلم.
عباد الله : ان ما يدل على فضل هذه الليلة العظيمة، وعظيم قدرها، وجليل مكانتها عند الله ورسوله في كتاب الله ومن سنة رسول الله :فمن كتاب الله :
1. نزول سورة كاملة فيها هي سورة القدر، وبيان أن الأعمال فيها خير من الأعمال في ألف شهر مما سواها.
2. قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ }{الدُخان4} حيث يقدر فيها كل ما هو كائن في السنة، وهو تقدير ثان، إذ أن الله قدر كل شيء قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة.
ومن سنة رسول الله القولية والعملية:
1- ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)).
2- أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف ويجتهد في الليالي المرجوة فيها ما لا يجتهد في غيرها من ليالي رمضان ولا غيره، حيث كان - صلى الله عليه وسلم - كما صح عن عائشة - رضي الله عنها : "إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله".
عباد الله : تلتمس ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان خاصة في الوتر منها، سيما ليلتي إحدى وعشرين وسبع وعشرين، وأرجحها ليلة سبع وعشرين.
فعن عمر - رضي الله عنهما - أن رجالاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ((أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر))، وعند مسلم: ((التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي)) ، وعن عائشة - رضي الله عنها - كذلك: ((تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان))
وذهب علي، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة من الصحابة، والشافعي، وأهل المدينة ومكة من الأئمة إلى أن أرجى لياليها ليلتا إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وقد رجح ذلك ابن القيم - رحمه الله -
وذهب أبي بن كعب - رضي الله عنه - إلى أنها ليلة سبع وعشرين، وكان يحلف على ذلك، ويقول: "بالآية أوالعلامة التي أخبرنا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها.
وفي مسند أحمد عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: "يا رسول الله إني شيخ كبير عليل يشق عليَّ القيام، فمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر؛ قال ((عليك بالسابعة)).
اما أفضل وأحب الأعمال لمن وفق وحظي بليلة القدر؟:
1. أداء الصلوات المكتوبة للرجال مع جماعة المسلمين سيما الصبح والعشاء.
2. القيام أي الصلاة لقوله - صلى الله عليه وسلم-: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
3. الدعاء.
4. قراءة القرآن.
5. اجتناب المحرمات دقيقها وجليلها.
ويمكن للمرء أن يجمع بين هذه كلها في الصلاة إذا أطال القيام، وسأل الرحمن، واستعاذ به من النيران كلما مر بآية رحمة أو عذاب؛
اما أفضل ما يقال فيها من الدعاء: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"؛ يردده ويكثر منه داخل الصلاة، وفي سائر ليلها ونهارها. فعن عائشة - رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم-: "أرأيتَ إن وفقت لليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
اما علامات هذة الليلة التي يستدل بها البعض على ليلة القدر ذكر الشيخ بن عثيمين رحمه الله أن لليلة القدر علامات مقارنة وعلامات لاحقة
العلامات المقارنة
1. ففي صحيح مسلم أن أصحاب الرسول كانوا يتكلمون عن ليلة القدر فقال صلى الله عليه و سلم من يذكر حين طلع القمر مثل شق جفنة ) أي أنه بليلة القدر يكون القمر مثل نصف طبق مستدير ، كالذي يوضع فيها الطعام .
2. وقال صلى الله عليه و سلم : ليلة سهلة طلقة لا حارة و لا باردة
3. قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة ، وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في البر بعيداً عن الأنوار
4. الطمأنينة ، أي طمأنينة القلب ، وانشراح الصدر من المؤمن ، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي
5. أن الرياح تكون فيها ساكنة أي لا تأتي فيها عواصف أو قواصف ، بل بكون الجو مناسبا
6. أنه قد يُري الله الإنسان الليلة في المنام ، كما حصل ذلك لبعض الصحابة رضي الله عنهم .
7. أن الانسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي
العلامات اللاحقة
أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع ، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام ، ويدل لذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنها تطلع يومئذ ٍ لا شعاع لها ) -رواه مسلم وأخيراً احذر أخي الصائم أن ينسلخ رمضان ولم تكن من المغفور لهم
تعليقات
إرسال تعليق