القائمة الرئيسية

الصفحات

اتق الله حيثما كنت


نعيش هذه اللحظات المباركة مع حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من تأمله واستوفى العمل به بجميع جوانبه وكلماته وعباراته نال الخير العظيم والنجاة والسعادة فى الدنيا والآخرة، و لقد امتن الله على هذه الأمة بمبعث محمد –صلى الله عليه وسلم –فمبعثه منة ونعمة من الله تعالى وإن من نعمة الله –عز وجل- أنه أعطى للنبي –صلى الله عليه وسلم- الكلمات التي هي قليلة المبنى وهي عظيمة المعنى فأعطاه جوامع الكلم فكان –صلى الله عليه وسلم- يتكلم بالكلام الوجيز الذي يحتوي على المعاني العظيمة ، جاء في حديث معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاه، فقال: (اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِع السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ الناس بِخُلُقٍ حَسَنٍ)؛ رواه الترمذي حديث حسن.

لقد حوا هذا الحديث على جوامع المعاملة والوصايا النافعة للمسلم في دينه ودنياه وأُخراه
وأولى هذه الوصايا: لزوم التقوى في السر والعلن، والسفر والحضر، والسراء والضراء.
والوصية بالتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين من الأنبياء والمرسلين، والناس أجمعين إلى يوم الدين، وقد دل على ذلك القرآن والسنة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131]،
ومعنى التقوى : أن تجعل بينك وبين عقاب الله وعذابه وقاية، ويكون ذلك بفعل المأمورات، وترك المنهيات ، وإن من تقوى الله –تعالى- ومراقبته ألا يقتل المسلم أخاه المسلم وألا يريق دمه وألا ينتهك عرضه وألا يقلق أمنه
عباد الله : كم علق الله على التقوى من خير في الدنيا والآخرة؛ فأخبر أن الجنة أعدت للمتقين، ورتب على التقوى حصول العلم النافع فقال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)، (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف:90] ومن حقق التقوى جعل له من أمره يسرًا، ورزقه من حيث لا يحتسب؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].
ومن لزم التقوى رزَقه الله الحياة المطمئنة السعيدة، وانقلبت المحنة في حقه منحة، والبلايا عطايا، والحال ينطبق على الأمم كما ينطبق على الأفراد؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
ولم يزل السلف يتواصون بالتقوى في خطبهم ومكاتباتهم ووصاياهم . كتب عمر إلى ابنه عبد الله: "أما بعد؛ فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل؛ فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده".
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل فقال: "أوصيك بتقوى الله عز وجل الذي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا أهلها ولا يثيب إلا عليها؛ فإن الواعظين بها كثير والعاملين بها قليل". جعلنا الله وإياكم من المتقين

والوصية الثانية ( وأتبع السيئة الحسنة تمحُها)، وإذا كان المسلم من المتقين، وممن يؤدون الفرائض والمستحبات، ويتركون المنهيات والمكروهات، فليس معنى ذلك أن يكون مبرئًا من العيوب، خاليًا من فعل الذنوب؛ لأن ابن آدم لا ينفك عن الذنب، ولكن خير الخطَّائين التوابون، فلما كان شأن المؤمن كذلك قال صلى الله عليه وسلم ناصحا : (وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ) فانظر إلى هذا الفضل العظيم والإنعام الكريم من الرب الخالق الجليل فإن الحسنات ماحية للسيئات ، وقد وقع أبينا آدم عليه الصلاة والسلام في الذنب، وصدر من أولياء الله السابقين الذنب والخطأ؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].
، فقد يقع أهل التقوى في الذنب، بل في الكبيرة، إلا أنهم لا يصرون على فعلها، ولا يفرحون بارتكابها، أو يجاهرون بها كما يفعل البعض اليوم، ولهذا جاءت وصية سيد المرسلين بالتوبة والمبادرة إلى ماحيات الذنوب، ومكفرات السيئات، وهي في ديننا الحنيف أبوابها عديدة ومتنوَّعة، ومنها على سبيل المثال:الوضوء والمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها؛ حيث ينادى بها في المساجد و كثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة؛ والصيام والقيام ، والحج والعمرة والصدقة والذكر والصبر على المصائب
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني عالجت امرأة من أقصى المدينة- (أي تناولها واستمتع بها) فأصبت منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فأقم على ما شئت فقال عمر قد ستر الله عليك لو سترت على نفسك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فانطلق الرجل فتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فدعاه فتلا عليه (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهب السيئات ) فقال رجل من القوم يا رسول الله أله خاصة أم للناس كافة فقال للناس كافة . حسن صحيح الألباني
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70]
جاء شيخ كبير هرم، قد سقط حاجباه على عينيه، فقال: يا رسول الله، رجل غدر وفجر، ولم يدع حاجة ولا داجة إلا اقتطعها بيمينه، لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم، فهل له من توبة؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلمتَ؟"، قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وانك رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن الله غافر لك ما كنت كذلك، ومبدل سيئاتك حسنات"، فقال: يا رسول الله، وغَدَراتي وفَجَراتي؟ فقال: "وغَدرَاتك وفَجَراتك"، فَوَلَّى الرجل يهلل ويكبر. ( صحيح )
عباد الله : بادروا بالتوبة قبل فوات الأوان، وإذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة ماحية، واحذروا من التسويف، فإنه من أبواب الشيطان ، يقول العلّامة ابن القيم في مدارج السالكين إن في الدنيا ثلاثة أنهر من تطهر بها طهرته وهي الحسنات الماحية والتوبة النصوح والمصائب المكفرة فمن تطهر بها في الدنيا طهرته فاذا اراد الله بعبدة خيرا ادخلة هذة الانهار وإلا فإن الله-تعالى- يطهره في نهر جهنم يوم القيامة
أقول قولي هذه وأستغفر الله لي ولسائر المسلمين

أما الوصية الثالثة ( وخالق الناس بخلقٍ حسن (لقد أثنى الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ومن هنا فإن حسن الخلق ومعاملة الناس بالحسنى من تمام التقوى ، إن بعض الناس هداهم الله يؤدون حقوق الله من صلاة وزكاة وحج، إلا أنهم يُفرِّطون في حقوق العباد، فترى أحدهم يطلق لسانه ويده في إيذاء المخلوقين من عباد الله؛ جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجَر ما نهى الله عنه))؛ متفق عليه.
وأولى الناس بحسن خلقك: هم والداك وزوجتك وأولادك ثم الأقرب فالأقرب .
وضابط ذلك - عباد الله - الجامع له : أن تعامل الناس بالشيء الذي تحب أن يعاملوك به وأن تأتي إليهم ما تحب أن يأتوا إليك ؛ فهذا جماع حُسن الخلق ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ))ومن هنا أكد الإسلام أهمية الأخلاق الحسنة، ومعاملة الخلق باللين، وأن الأخلاق الحسنة لها الأثر في تزكية النفس وتنقيتها من الأدران، ودورها العظيم في صلاح الفرد والمجتمع، وأنه لا بد لمن يتقي الله أن يظهر ذلك جليًّا في أخلاقه ومعاملته للخلق؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، الْمُوَطَّؤونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ ( ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ، الْمُتَشَدِّقُونَ، الْمُتَفَيْهِقُونَ"حسنة الالباني .
وأول الخُلُق الحسن أن تكف عن الناس أذاك وتعفو عن مساوئهم وأذيتهم لك، ثم تعاملهم بالإحسان مع بشاشة الوجه ولطف الكلام، وأن تعامل كل أحد بما يليق به ويناسب حاله من صغير وكبير وعالم وجاهل.






تعليقات